الذهب والدولار الأمريكي يُعدّان من أهم الأصول المالية التي يوليها المستثمرون اهتمامًا خاصًا عند تحليل الأسواق.
غالبًا ما يُشار إلى وجود علاقة مترابطة بين سعر الذهب وقيمة الدولار، حيث يُلاحَظ تأثّر أحدهما بالآخر بشكل واضح.
فالذهب معروف بدوره كملاذ آمن وقت الأزمات، والدولار هو العملة الاحتياطية الأقوى عالميًا.وكثيرًا ما نسمع أن العلاقة بينهما عكسية؛ أي عندما يقوى الدولار ينخفض سعر الذهب، والعكس صحيح.
في هذا المقال سنتناول بالتفصيل علاقة سعر الذهب بالدولار من خلال شرح كيفية تسعير الذهب عالميًا بالدولار، ولماذا العلاقة بينهما غالبًا عكسية، وأهم العوامل المؤثرة على هذه العلاقة،
بالإضافة إلى استعراض بعض الأمثلة التاريخية والحالات الاستثنائية، وتأثير كل ذلك على سعر الذهب في مصر. سنختم بتقديم نصائح عملية للمستثمر المصري المهتم بشراء الذهب أو الدولار.
كيف يُسعّر الذهب عالميًا بالدولار؟
يتم تسعير الذهب عالميًا بالدولار الأمريكي في الأسواق الدولية، حيث يُعبَّر عن سعر الذهب عادة بالدولار لكل أونصة. هذا الأمر يعود إلى مكانة الدولار كعملة احتياط عالمية.
على سبيل المثال، سعر الذهب في البورصات العالمية يُحدد بالدولار الأمريكي للأونصة أو للجرام، وهو المقياس الشائع لقيمة الذهب في جميع أنحاء العالم.
بالتالي فإن أي تغير في قيمة الدولار يؤثر مباشرة على السعر العالمي للذهب. إذا ارتفع سعر الدولار، أصبح شراء أونصة الذهب أكثر كلفة على حاملي العملات الأخرى، مما قد يخفض الطلب العالمي على الذهب ويدفع سعره للانخفاض.
وبالمقابل، انخفاض قيمة الدولار يجعل الذهب أرخص نسبياً بالعملات الأخرى ويزيد الطلب عليه عالمياً، مما يرفع سعره.
هذه الآلية في التسعير هي إحدى الركائز التي تفسّر العلاقة العكسية التقليدية بين الذهب والدولار.وجدير بالذكر أن ربط تسعير الذهب بالدولار له جذور تاريخية: بعد الحرب العالمية الثانية أُقر نظام بريتون وودز عام 1944 الذي ربط الدولار الأمريكي بالذهب بسعر ثابت (35 دولارًا للأونصة) ورُبطت بقية عملات العالم بالدولار.
هذا النظام رسّخ مكانة الدولار كعملة احتياط مدعومة بالذهب. استمر ذلك حتى عام 1971 حين أنهت الولايات المتحدة قابلية تحويل الدولار إلى ذهب فيما عُرف بـ”صدمة نيكسون”، وبذلك انفصل الذهب عن الدولار وأصبح سعره حراً يتحدد بالعرض والطلب. ومنذ ذلك الحين، بقي الدولار العملة الرئيسية لتسعير الذهب عالميًا رغم عدم وجود غطاء ذهبي له.
لماذا العلاقة بين الذهب والدولار عادة ما تكون عكسية؟
تتحرك أسعار الذهب غالبًا بعكس حركة الدولار الأمريكي لأسباب اقتصادية وسلوكية متعددة. فيما يلي أبرز الأسباب التي تفسّر لماذا ترتبط أسعار الذهب والدولار بعلاقة عكسية في كثير من الأحيان:
الذهب ملاذ آمن مقابل الدولار: ينظر المستثمرون إلى الاستثمار في الذهب كوسيلة للتحوّط ضد المخاطر والتضخم، خاصة عند ضعف الدولار. فعندما تتراجع قيمة الدولار وترتفع معدلات التضخم، يُقبل المستثمرون على شراء الذهب لحماية ثرواتهم مما يرفع سعره.
بالمقابل، في فترات قوة الدولار واستقرار قيمته، تقل الدوافع للتحوّط بالذهب وينخفض الطلب عليه فينخفض سعره. باختصار، قوة الدولار وموثوقيته عالميًا تؤدي عادةً إلى تراجع الذهب، بينما ضعف الدولار وارتفاع التضخم يدفعان الذهب للارتفاع.
التسعير بالدولار وتأثيره عبر العملات: كما أسلفنا، يُسعَّر الذهب بالدولار عالميًا. لذا ارتفاع قيمة الدولار يجعل شراء الذهب أكثر تكلفة على حائزي العملات الأخرى، فينخفض الطلب العالمي عليه ويتراجع السعر وفق مبدأ العرض والطلب.
العكس صحيح؛ فانخفاض الدولار يجعل الذهب أرخص نسبيًا بعملات الدول الأخرى ويزيد الإقبال عليه مما يرفع سعره. هذه الآلية تعزّز العلاقة العكسية بين الذهب والدولار على المستوى العالمي.
ثقة المستثمرين وأمزجتهم: يرتبط الدولار بوصفه عملة احتياطية بثقة المستثمرين في الاقتصاد الأمريكي. عند ارتفاع الثقة بالدولار وبالاقتصاد (مثلاً بسبب أسعار فائدة مرتفعة أو نمو اقتصادي قوي)، يفضّل المستثمرون الأصول المقوّمة بالدولار على حساب الذهب، مما يضعف الطلب على الذهب ويهبط سعره.
أما حين تتزعزع الثقة بالدولار أو بالوضع الاقتصادي (بفعل أزمات مالية أو سياسات نقدية توسعية مبالغ فيها)، يتجه المستثمرون إلى الذهب كخيار آمن بديل، فيرتفع سعره.
لاحظ أن هذه العلاقة العكسية ليست قاعدة صارمة في جميع الأحوال بل هي الاتجاه العام “في معظم الأحيان”. هناك فترات وظروف قد ينخفض خلالها الذهب والدولار أو يرتفعان معًا تبعًا لعوامل استثنائية سنناقشها لاحقًا.
لكن كقاعدة عامة: عندما يقوى الدولار الأمريكي غالبًا ما يتراجع سعر الذهب بالدولار، وعندما يضعف الدولار ترتفع قيمة الذهب المقوّم به.
العوامل التي تؤثر على العلاقة بين الذهب والدولار
على الرغم من القاعدة العامة للعلاقة العكسية، إلا أن مدى قوة هذا التأثير يتغير بحسب العوامل الاقتصادية السائدة.
فيما يلي أبرز العوامل الحالية التي تُشكل العلاقة بين الذهب والدولار:
السياسة النقدية الأمريكية وأسعار الفائدة: يلعب البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وسياساته النقدية دورًا جوهريًا في تحديد اتجاه الدولار والذهب. عندما يقوم الفيدرالي برفع أسعار الفائدة بشكل ملموس، عادةً ترتفع قيمة الدولار (لجذب رؤوس الأموال نحو العائد الأعلى) مما يضغط هبوطيًا على الذهب.
بالمقابل، عند انتهاج سياسات نقدية توسعية – مثل خفض الفائدة أو طباعة النقد (التيسير الكمي) – يضعف الدولار وترتفع أسعار الذهب. لذلك فإن أي قرار أو إشارة من الفيدرالي بشأن الفائدة تنعكس فورًا على حركة الذهب مقابل الدولار.
معدلات التضخم: يعتبر التضخم من أهم محركات العلاقة بين الذهب والدولار. التضخم المرتفع – خاصة في الولايات المتحدة – يعني تراجع القوة الشرائية للدولار. في مثل هذه الحالة يميل المستثمرون حول العالم إلى شراء الذهب للتحوّط من تآكل قيمة العملة الورقية.
لذلك غالبًا ما نشهد ارتفاع سعر الذهب خلال فترات التضخم الجامح أو توقعات التضخم المرتفع، لأن الدولار الحقيقي (المعدل بالتضخم) يضعف فيعوض الذهب ذلك الضعف بالصعود.
على سبيل المثال، في إحدى الدراسات وُجد أنه في المملكة المتحدة خلال آخر 20 سنة كان متوسط التضخم حوالي 3% سنويًا بينما ارتفع الذهب بنحو 10% سنويًا في الفترة نفسها، أي حقق الذهب زيادة فعلية بحوالي 7% سنويًا فوق التضخم. هذا مثال عملي لكيفية حفاظ الذهب على القوة الشرائية مقابل العملات الورقية التي تنخفض قيمتها مع الزمن.
الأزمات الاقتصادية والجيوسياسية: الاضطرابات العالمية تلعب دورًا معقدًا في علاقة الذهب بالدولار. في الأزمات التي تضرب الولايات المتحدة مباشرة (كأزمة مالية داخلية مثلاً)، قد نشهد ضعفًا كبيرًا في الدولار وارتفاعًا قويًا في الذهب. أما في الأزمات العالمية أو الإقليمية خارج أمريكا، فكثيرًا ما يُنظر إلى كل من الدولار والذهب كملاذين آمنين في آن واحد.
في تلك الحالات الاستثنائية قد يرتفع الدولار والذهب معًا نتيجة اندفاع المستثمرين عالميًا نحو الأمان بجميع أشكاله. الأزمات الجيوسياسية الكبرى (كالحروب) أو الأزمات المالية العالمية أو أي تهديد للاستقرار المالي الدولي قد يؤدي إلى تغيّر نمط العلاقة التقليدي بين الذهب والدولار بشكل مؤقت حسب حدة الأزمة وطبيعتها.
العرض والطلب في سوق الذهب: يظل الذهب سلعة تتأثر بعوامل العرض والطلب الخاصة به إلى جانب تأثير الدولار. فمستويات إنتاج الذهب من المناجم محدودة نسبيًا سنويًا، والطلب الصناعي (في صناعة المجوهرات والإلكترونيات والطب) والطلب الاستثماري (من قبل الأفراد والبنوك المركزية) كلها عوامل تتحكم في سعره. على سبيل المثال، زيادة كبيرة في طلب البنوك المركزية أو الأسواق الناشئة على شراء الذهب قد ترفع سعره حتى لو كان الدولار مستقرًا نسبيًا.
قد شهدنا خلال السنوات الأخيرة توجه العديد من البنوك المركزية لتنويع احتياطياتها والانتقال من حيازة الدولار إلى حيازة قدر أكبر من الذهب. مثل هذه التحولات في سياسات الاحتياطيات تؤثر على قيمة كل من الذهب والدولار؛ فقيام البنوك المركزية بشراء الذهب عادة يحدث عندما يفقد الدولار شيئًا من بريقه كعملة احتياط، ما يدعم سعر الذهب والعكس صحيح.
باختصار، العلاقة بين الذهب والدولار تخضع لمجموعة واسعة من العوامل الاقتصادية (الفائدة، التضخم، السياسات) والجيوسياسية (الأزمات والحروب) والسلوكية (ثقة المستثمرين)، لذا فهي علاقة ديناميكية ومتغيرة وليست ثابتة على الدوام.
أمثلة تاريخية على حركة الذهب مقابل الدولار
على مدار العقود الماضية ظهرت أمثلة واضحة تؤكد الطبيعة العكسية أغلب الوقت للعلاقة بين الذهب والدولار، كما برزت أيضًا فترات استثنائية كسرت هذه القاعدة. فيما يلي بعض الأمثلة التاريخية البارزة لحركة الذهب مقابل الدولار:
السبعينيات (1973–1982): شهدت هذه الفترة ارتفاعًا حادًا في التضخم العالمي عقب انهيار نظام بريتون وودز وانفصال الدولار عن الذهب. تراجع الدولار في قيمته الحقيقية بسبب التضخم والاضطرابات الاقتصادية، وفي المقابل قفز الذهب لمستويات قياسية.
وصل معامل الارتباط بين الذهب والدولار آنذاك إلى حوالي -0.5 (علاقة عكسية قوية)، حيث ارتفع الذهب كتحوط قوي ضد التضخم بينما ضعف الدولار نتيجة السياسات النقدية المضطربة. خلال هذه الحقبة ارتفع سعر الذهب من نحو 35 دولارًا للأونصة (السعر الرسمي قبل 1971) ليبلغ قممًا تجاوزت 600 دولار للأونصة بنهاية السبعينيات، مما جسّد العلاقة العكسية الواضحة في ظل تضخم جامح وضعف الدولار.
الألفية الجديدة (2000s): في فترة الأزمة المالية العالمية 2008 انهارت العديد من المؤسسات المالية وساد ذعر شديد في الأسواق. حينها اندفع المستثمرون نحو الملاذات الآمنة التقليدية وهي الذهب والدولار معًا. وبالفعل شهدنا ارتفاعًا متزامنًا لكل من الذهب والدولار الأمريكي خلال ذروة أزمة 2008.
ارتفع سعر الذهب عالميًا مع بحث الجميع عن أمان المحافظ، وفي نفس الوقت ارتفع الطلب على الدولار (كونه العملة الأكثر سيولة وأمانًا عالميًا)، فازدادت قيمته أمام باقي العملات. كانت تلك حالة استثنائية تنكسر فيها القاعدة، إذ ارتفع الأصلان معًا بشكل متواز نسبيًا. مع انتهاء ذروة الأزمة وعودة الاستقرار المالي، عادت العلاقة العكسية للظهور بوضوح.
نهاية العقد الثاني 2020s: من الأمثلة الحديثة أيضًا الأزمة الجيوسياسية عام 2022 إثر الحرب الروسية الأوكرانية وما صاحبها من اضطرابات عالمية. في تلك الفترة شهدنا مرة أخرى ارتفاعًا متزامنًا للذهب والدولار. ارتفع الذهب كملاذ آمن مع تصاعد المخاوف وعدم اليقين، وفي الوقت نفسه ارتفع الدولار الأمريكي مدعومًا بمكانته كعملة احتياطية عالمية وبحث المستثمرين عن السيولة والأمان.
تُظهر البيانات أن معامل الارتباط بين الذهب والدولار خلال السنوات 2018–2023 كان موجبًا (حوالي +0.2) في بعض الفترات، ما يعكس تلك الحالات التي خرجت فيها العلاقة عن نمطها المعتاد مؤقتًا. لكن يجدر التنويه أن هذه فترات مؤقتة سرعان ما يعود بعدها الذهب والدولار إلى نمطهما المعهود من التنافس وجذب السيولة في اتجاهين متعاكسين.

شكل بياني يوضح معامل الارتباط التاريخي بين سعر الذهب وقيمة الدولار الأمريكي عبر فترات زمنية من منتصف القرن الـ20 حتى الفترة الحالية.
القيم السالبة تظهر العلاقة العكسية (مثلاً في السبعينيات قرب -0.5) في حين تُظهر القيم الموجبة الفترات النادرة التي ارتفع فيها الذهب والدولار معًا (مثلاً حوالي +0.1 في 2008 وحوالي +0.2 في 2018–2023).
هذه الأمثلة التاريخية تؤكد أن العلاقة الذهبية-الدولارية عادةً ما تسير عكسياً، لكنها ليست ثابتة 100% وتخضع للظروف الاقتصادية والجيوسياسية السائدة في كل حقبة. ولذلك، من المهم دائمًا فهم السياق عند تحليل تلك العلاقة وعدم الافتراض التلقائي بأنها عكسية في جميع الأزمنة.
كيف تؤثر هذه العلاقة على سعر الذهب في مصر؟
بالانتقال إلى السوق المحلية في مصر، يتحدد سعر الذهب في مصر من خلال عاملين أساسيين: السعر العالمي للذهب بالدولار من جهة، وسعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري من جهة أخرى. بمعنى آخر، السعر المحلي للذهب = (سعر الأونصة عالميًا بالدولار) × (سعر الدولار بالجنيه).
لذلك فإن العلاقة بين الذهب والدولار تنعكس محليًا بشكل مركب: يتأثر السعر في مصر بحركة الذهب بالدولار عالميًا وبحركة الدولار أمام الجنيه داخليًا.
عادةً، ارتفاع الدولار عالميًا يؤدي لانخفاض سعر الذهب عالميًا (علاقة عكسية كما شرحنا). لكن لو كان الجنيه المصري يضعف بشدة أمام الدولار في نفس الوقت، فقد يرتفع سعر الذهب بالمحلي رغم انخفاضه عالميًا، لأن تأثير ارتفاع سعر الدولار (سعر الصرف) يفوق تأثير انخفاض سعر الذهب بالدولار.
والعكس صحيح: إذا انخفض الدولار عالميًا (فيرتفع الذهب عالميًا) لكن الجنيه المصري تقوّى بشكل ملحوظ أمام الدولار، قد لا يشعر السوق المحلي كثيرًا بهذا الارتفاع العالمي وقد يبقى سعر الذهب المحلي مستقراً أو حتى ينخفض بسبب انخفاض سعر الصرف.
تكلفة استيراد الذهب: بما أن الذهب سلعة عالمية يُستورد جزء كبير منها، فإن سعر الدولار في مصر عامل رئيسي في تحديد تكلفة الذهب. أي ارتفاع في سعر الدولار أمام الجنيه يعني زيادة مباشرة في تكلفة استيراد الذهب الخام أو المشغولات، مما ينعكس سريعًا بارتفاع أسعار الذهب محليًا.
وعلى العكس، تحسّن قيمة الجنيه وخفض سعر الدولار يقلّص من تكلفة الاستيراد ويؤدي إلى تهدئة أسعار الذهب في السوق المصري.
على سبيل المثال، في منتصف عام 2025 شهد الجنيه المصري تحسنًا تدريجيًا أمام الدولار لمدة أسابيع، فساهم ذلك (مع هدوء سعر الأونصة عالميًا) في استقرار أسعار الذهب في مصر وتراجع وتيرة صعودها محليًا.
وبحسب تقارير محلية، أدى تراجع الدولار حينها إلى خفض تكلفة استيراد الذهب مما انعكس فورًا على تسعير المشغولات الذهبية بالسوق المصري.
من جهة أخرى، عند انخفاض قيمة الجنيه المصري بشكل حاد، فإن سعر الذهب بالجنيه يقفز إلى مستويات قياسية حتى لو كان السعر العالمي مستقرًا. حدث ذلك بوضوح في نهاية عام 2022؛ حيث شهدت مصر عدة تخفيضات لقيمة العملة أدى إلى ارتفاعات غير مسبوقة في الذهب المحلي.
لجأ المدخرون القلقون من تراجع الجنيه إلى شراء الذهب بكثافة كملاذ آمن لحفظ قيمة مدخراتهم، مما دفع سعر الذهب عيار 21 للقفز إلى أكثر من 1800 جنيه للجرام (في ديسمبر 2022) بعد أن كان حوالي 673 جنيه قبل عام واحد فقط.
هذا المستوى كان الأعلى تاريخيًا آنذاك، رغم أن السعر العالمي للذهب وقتها يكافئ حوالي 50 دولارًا فقط للجرام (أي حوالي 1250 جنيه بسعر الصرف الرسمي حينها)، ما يعني وجود علاوة سعرية محلية كبيرة نتيجة زيادة الطلب وشح العرض في ظل الأزمة.
وفسّر الخبراء ذلك بأن ضعف الجنيه ونقص العملة الأجنبية عززا الإقبال على السبائك والعملات الذهبية داخل مصر حفاظًا على قيمة المدخرات. كذلك لجأت بعض الشركات إلى تصدير الذهب (شراء سبائك بالجنيه وتصديرها مقابل دولار) للحصول على العملة الصعبة، مما زاد الضغط على الأسعار المحلية.
باختصار، العلاقة بين الذهب والدولار تنعكس محليًا بشكل مزدوج:
- قوة أو ضعف الدولار عالميًا تؤثر على السعر بالدولار للأونصة.
- قوة أو ضعف الجنيه أمام الدولار تؤثر على السعر المحلي للجنيه الذهب.
لذا على المواطن المصري مراقبة العاملين معًا. وفي أوقات استقرار الجنيه، ينعكس التغير العالمي في سعر الذهب بوضوح محليًا. أما في أوقات اضطراب سعر الصرف، فقد يطغى تأثير الدولار/الجنيه على أي عوامل عالمية. ومن هنا تنبع أهمية فهم علاقة الذهب بالدولار لفهم وتحليل سعر الذهب اليوم في مصر وتوقع حركته.
هل يمكن أن يصعد الذهب والدولار معًا؟ ومتى؟
كما أشرنا سابقًا، العلاقة العكسية بين الذهب والدولار هي القاعدة الغالبة تاريخيًا، لكن ليست علاقة مطلقة وحتمية في كل الأوقات. توجد حالات استثنائية قد يرتفع خلالها الذهب والدولار معًا. فمتى يحدث ذلك ولماذا؟
يحدث الصعود المتزامن عادةً في ظل أزمات عالمية كبرى أو تحولات اقتصادية حادة تدفع المستثمرين حول العالم إلى البحث عن أي ملاذ آمن متاح. في مثل هذه الظروف يتنافس الذهب والدولار معًا على جذب السيولة بوصفهما ملاذات آمنة. أبرز الحالات التي ارتفع فيها الذهب والدولار معًا تشمل:
الأزمات المالية العالمية: عند وقوع انهيارات أو أزمات مالية ضخمة (مثل الأزمة العالمية في 2008)، يزيد الطلب في نفس الوقت على الدولار (كعملة ملاذ عالمية موثوقة) وعلى الذهب (كمخزن للقيمة وملاذ تقليدي). في 2008 مثلًا ارتفع الدولار الأمريكي مدفوعًا بهروب رؤوس الأموال إلى الآمان، وفي الوقت نفسه سجل الذهب ارتفاعات كبيرة مع بحث المستثمرين عن التحوّط من الانهيارات في الأصول الأخرى.
الأزمات الجيوسياسية الخطيرة: في حالة اندلاع حروب أو توترات جيوسياسية تهدد الاستقرار الدولي (مثل حرب روسيا وأوكرانيا 2022)، يتكرر السيناريو؛ حيث يتجه المستثمرون إلى تعزيز حيازاتهم من الذهب تحسبًا للأسوأ، وفي الوقت عينه يرتفع الطلب على الدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية آمنة. النتيجة كما شهدناها عام 2022 كانت ارتفاعًا متزامنًا في قيمة الدولار وفي أسعار الذهب عالميًا.
عندما تكون الأزمة خارج الولايات المتحدة: إذا كانت الاضطرابات تضرب دولًا أخرى بينما الاقتصاد الأمريكي يبدو بمنأى نسبيًا، فقد يتلقى الدولار والذهب دعمًا معًا. الدولار يقوى هنا لأن المستثمرين يعتبرونه ملاذًا آمنًا عالميًا بعيدًا عن مراكز الخطر، والذهب يقوى كملاذ مادي وقائي. مثال ذلك ما حدث في بعض فترات الثمانينات وأواخر التسعينات حيث سُجّل معامل ارتباط موجب طفيف بين الذهب والدولار.
إذن نعم، من الممكن أن يصعد الذهب والدولار معًا لكن في ظروف خاصة جدًا تغلب عليها حالة ذعر أو عدم يقين شديد تشمل الأسواق كافة. هذه الفترات عادةً مؤقتة، فعندما يهدأ التوتر أو تنجلي الأزمة، يعود المستثمرون إلى سلوكهم الطبيعي في المفاضلة بين الذهب والدولار وليس اقتنائهما معًا بنفس الزخم.
لذلك نؤكد على أهمية أن يدرك المستثمر أن العلاقة التقليدية قد تنكسر في الأوقات الحرجة، وأن يتابع تطورات الاقتصاد العالمي. القاعدة الذهبية هنا: في أوقات الأزمات الشاملة قد يرتفع كل من الدولار والذهب بالتوازي كملاذين آمنين، أما في الأوقات الاعتيادية فغالبًا ما يعودان إلى علاقة التنافس العكسية المعتادة.
الفرق بين الادخار بالدولار والذهب
يواجه المدخر أو المستثمر المصري (أو أي مستثمر عمومًا) تساؤلاً شائعًا: أدّخر أموالي بالذهب أم بالدولار؟ ولكل خيار ميزاته وعيوبه. الذهب والدولار أداتان ماليتان تستخدمان للحفاظ على الثروة، لكن خصائصهما مختلفة:
✤ مزايا ادخار الذهب:
- حفظ القيمة على المدى الطويل: يتميّز الذهب بقدرته على الحفاظ على قوته الشرائية على مدى سنوات طويلة وحتى عقود. على عكس العملات الورقية التي تفقد قيمتها تدريجيًا بفعل التضخم، يحتفظ الذهب بقيمته بل وقد يزيد معها. مثال تاريخي لافت: قبل قرن من الزمن كانت أونصة الذهب تعادل حوالي 20 جنيهًا إسترلينيًا، أما اليوم فثمنها يتجاوز 1300 جنيه إسترليني. هذا يدل على أن الذهب حافظ على قيمته أفضل بكثير من العملة التي تراجعت قوتها الشرائية بشكل هائل عبر الزمن. كذلك خلال العقود الأخيرة في مصر، رغم ارتفاع أسعار الذهب الكبير اسميًا (بسبب التضخم وضعف الجنيه)، إلا أنه حافظ على القيمة الحقيقية للثروة لمن اقتناه مقارنة بمن احتفظ بمدخراته بالجنيه أو حتى بالدولار فقط. الذهب ملاذ ممتاز ضد التضخم على المدى البعيد.
- ملاذ آمن وقت الأزمات: يميل الذهب للصعود بقوة في أوقات عدم اليقين والأزمات الاقتصادية أو السياسية، عندما تفقد الأصول الأخرى جاذبيتها. فقد ارتفع الذهب بأكثر من 100% بين 2008 و2012 خلال الأزمة المالية العالمية بينما كانت معظم الأصول تعاني. لذا من يحتفظ بالذهب كجزء من مدخراته يجد أنه يحميه بشكل أفضل في السيناريوهات الأسوأ (كالحروب وانهيار الأسواق) مقارنة بالدولار الذي قد يتقلب تبعًا لسياسات البنك المركزي.
- تنويع المحفظة الاستثمارية: إضافة الذهب إلى سلة المدخرات والاستثمارات يوفّر تنويعًا مهمًا. فالذهب أصل ذو علاقة عكسية أو ضعيفة بالعائد على الأسهم والأصول الأخرى، وبالتالي حيازته تقلل المخاطر الإجمالية. كثير من الخبراء ينصحون بأن يشكّل الذهب نسبة من المحفظة لضمان التوازن والحماية من تقلبات فئات الأصول الأخرى.
✤ عيوب ادخار الذهب:
- لا يدر دخلًا أو فائدة: الذهب أصل جامد، أي أنه لا يولّد عائداً دورياً. على عكس الودائع بالدولار أو حتى الأسهم والسندات التي قد تعطي فوائد أو أرباحًا دورية، فإن استفادة المدخر من الذهب تأتي فقط من ارتفاع سعره عند البيع. عدم توليد دخل قد يعتبره البعض عيبًا خاصة في الأوقات التي تكون فيها معدلات الفائدة مرتفعة على العملات.
- حاجة إلى التخزين والتأمين: امتلاك الذهب المادي يتطلب حفظه بشكل آمن. تخزين الذهب بكميات كبيرة قد يستلزم خزينة مصرفية أو مكان سري آمن في المنزل، مع ما يرافق ذلك من تكاليف أو مخاطر. كما قد تحتاج لتأمين الذهب ضد السرقة أو التلف وهو ما يضيف كلفة إضافية. هذه العقبات اللوجستية غير موجودة عند الاحتفاظ بأموال بالدولار في حساب مصرفي مثلاً.
- تكلفة شراء وبيع (المصنعية والسبريد): في حالة شراء مشغولات ذهبية، يتحمل المشتري تكلفة المصنعية التي قد لا يستردها كاملة عند البيع. وحتى في السبائك والعملات الذهبية هناك سبريد (فرق) بين سعر البيع والشراء. هذه الفروق قد تقلل قليلاً من العائد الإجمالي للادخار بالذهب إذا تم البيع في الأجل القصير قبل تحقيق ارتفاع كاف في السعر.
✤ مزايا ادخار الدولار:
- سيولة عالية وقبول عالمي: الدولار الأمريكي هو أكثر العملات سيولة وانتشارًا في العالم. يمكن صرف الدولار أو استخدامه في أي مكان وزمان تقريبًا لشراء السلع والخدمات أو الاستثمار. الاحتفاظ بجزء من المدخرات بالدولار يمنح صاحبه سيولة فورية ومرونة في تسييل أمواله عند الحاجة دون تعقيدات.
- عملة مستقرة مدعومة باقتصاد قوي: الدولار مدعوم باقتصاد الولايات المتحدة الأكبر عالميًا. في الأوقات “العادية” أو في حالات الركود العالمي، غالبًا ما يتجه المستثمرون الدوليون إلى الدولار كملاذ آمن أيضًا. القوة النسبية للاقتصاد الأمريكي وأسواقه المالية تعطي الثقة بأن الدولار سيبقى محتفظًا بقيمته مقارنة بمعظم العملات الأخرى. ففي الفترة 2014-2024 مثلاً ارتفع مؤشر الدولار بأكثر من 25%، وشهد عام 2024 وحده ارتفاع الدولار بنسبة 8% مقابل أغلب العملات الرئيسية. هذا يعني أن الادخار بالدولار حقق لحائزيه مكاسب جيدة في بعض الفترات (مقابل العملات الأخرى وحتى الذهب أحيانًا).
- إمكان توليد دخل على شكل فوائد: على عكس الذهب، يمكن وضع الدولار في ودائع بنكية أو سندات أو شهادات ادخار تدر فائدة سنوية. ومع ارتفاع أسعار الفائدة مؤخرًا، حصل المدخرون بالدولار على عوائد ملحوظة مما عزز جاذبية الاحتفاظ بالدولار. حتى بدون تحويله لاستثمار آخر، مجرد الاحتفاظ بالدولار في حساب مصرفي في دولة ذات فائدة مرتفعة يمنح دخلًا إضافيًا، بينما الذهب لا يوفر ذلك.
- حماية من تقلبات العملة المحلية (في مصر): الدولار بالنسبة للمصريين وسيلة مهمة للتحوّط من انخفاض قيمة الجنيه. فمن احتفظ بمدخراته بالدولار خلال السنوات الماضية جنب نفسه أثر انخفاض الجنيه الكبير ويتمتع الآن بأموال ذات قوة شرائية أعلى محليًا. الدولار ملاذ آمن محلي وقت الأزمات الاقتصادية الوطنية، كما ظهر في فترات انخفاض الجنيه الحادة حيث كان الدولار هو الخيار الأول إلى جانب الذهب لحفظ القيمة.
✤ عيوب ادخار الدولار:
- التضخم يضعف القوة الشرائية للدولار: صحيح أن الدولار عملة قوية لكن يبقى عملة ورقية تتأثر بالتضخم على المدى الطويل. مدخرات بالدولار في المنزل (نقدًا) أو حتى في حساب دون فائدة مجزية تفقد من قيمتها مع مرور الزمن إذا ارتفعت الأسعار. القوة الشرائية لـ100 دولار اليوم ليست كما كانت قبل 10 سنوات ولن تكون كذلك بعد 10 سنوات بسبب التضخم المستمر (وإن كان منخفضًا في أمريكا لكنه موجود). المثال التاريخي السابق لأسعار الذهب يوضح ذلك أيضًا: فمنذ القرن الماضي فقدت العملات الكبرى جزءًا كبيرًا من قيمتها أمام الذهب. لذا الادخار بالدولار يحافظ على القيمة في المدى القصير والمتوسط أفضل من الجنيه مثلًا، لكنه ليس وسيلة مثالية للحفاظ على الثروة لعقود بدون استثمار.
- التقلبات سعر الصرف: قيمة الدولار نفسه ترتفع وتنخفض مقابل العملات الأخرى بحسب الظروف (رأينا دورة صعود وهبوط لمؤشر الدولار عدة مرات تاريخيًا). فالمستثمر بالدولار معرض أيضًا لمخاطر تقلب سعره أمام عملته المحلية في حال تحسّن الوضع الاقتصادي المحلي أو تغيّرت التوجهات العالمية. وفي حالة مصر، قد يأتي وقت يستقر أو يتحسن فيه الجنيه (كما حصل لفترات قصيرة) مما قد يعني انخفاض قيمة المدخرات بالدولار مقارنة بالذهب أو الأصول الأخرى التي ربما ترتفع قيمتها عالميًا.
الخلاصة في المقارنة: الذهب مناسب أكثر لمن يبحث عن حماية الأموال من التضخم والحفاظ على القيمة على المدى الطويل، خاصة في أوقات عدم اليقين والأزمات.
أما الدولار فهو خيار جيّد لمن يرغب في سيولة فورية واستفادة من استقرار قصير الأجل وربما عوائد الفائدة، لكنه على المدى البعيد عرضة للتآكل التضخمي.
لذلك ينصح الخبراء عادةً بجعل الذهب جزءًا من المحفظة إلى جانب النقد (الدولار أو غيره) لتحقيق التوازن؛ فالدولار ضروري للمعاملات اليومية والاحتياجات الطارئة، والذهب بمثابة بوليصة تأمين لحفظ القوة الشرائية عبر الزمن.
نصائح للمستثمر المصري بناءً على علاقة الذهب بالدولار
في ضوء ما سبق، إليك أيها القارئ الكريم بعض النصائح العملية إن كنت تفكر في الاستثمار أو الادخار في الذهب أو الدولار، بحيث تستفيد من فهم العلاقة بينهما:
- تابع العوامل الاقتصادية المؤثرة بشكل مستمر: قرارات البنك الفيدرالي الأمريكي بشأن الفائدة، وبيانات التضخم الأمريكية، والتطورات الاقتصادية العالمية – كلها عوامل تؤثر فورًا على الدولار وبالتالي على الذهب. على سبيل المثال، إذا ألمح الفيدرالي إلى رفع مستمر لأسعار الفائدة، توقع قوة للدولار وربما ضغطًا هبوطيًا على الذهب. وإذا صدرت بيانات تظهر تضخمًا أمريكيًا مرتفعًا أو تباطؤًا اقتصاديًا، فقد يضعف الدولار ويرتفع الذهب. كونك مطّلعًا على هذه الأخبار يمنحك أفضلية في توقيت قرارات الشراء أو البيع.
- استفد من العلاقة العكسية في توقيت الشراء: عندما يمر الدولار بفترة قوة كبيرة ويصل لمستويات مرتفعة (سواء عالميًا أو أمام الجنيه)، عادةً ما يكون سعر الذهب قد انخفض أو أصبح أقل من قيمته السابقة. قد تكون هذه فرصة مناسبة لشراء الذهب قبل أن يعاود الارتفاع. والعكس بالعكس: إن كان الدولار يتجه نحو الهبوط السريع عالميًا (بسبب سياسات تيسيرية مثلاً) وأسعار الذهب وصلت لمستويات عالية جديدة، قد تفكر في جني أرباح من الذهب أو على الأقل عدم الشراء بكميات كبيرة حينها إلا لو كانت لديك توقعات بمزيد من الارتفاع. باختصار، اشترِ الذهب عندما الدولار في ذروته (لأن الذهب عادةً يكون في قاعه)، وفكّر في تعزيز حيازتك من الدولار أو النقد عندما ترتفع أسعار الذهب كثيرًا وتضعف العملة الأمريكية.
- نوّع مدخراتك واستثماراتك: لا تضع البيض كله في سلة واحدة. ينصح بأن تجمع بين الاحتفاظ ببعض المدخرات بالذهب وبعضها بالعملات الصعبة (مثل الدولار). هذا التنويع يحميك من سيناريوهات مختلفة. إذا تدهور الجنيه مثلًا ستستفيد من حيازتك للدولار، وإذا ارتفع التضخم عالميًا وضعف الدولار ستسعفك حيازتك من الذهب. كذلك يمكنك تنويع أشكال الاستثمار في الذهب: بين ذهب مادي (سبائك أو جنيهات ذهبية) أو صناديق استثمار في الذهب (ETFs) أو شهادات الذهب بحسب ما هو متاح وسهل لك. التنويع يقلل المخاطر ويرفع احتمالات الحفاظ على ثروتك تحت مختلف الظروف.
- حدد هدفك الزمني واستراتيجيتك: إن كنت مستثمرًا طويل الأجل بهدف الادخار الآمن لعشرات السنين، فالذهب أصل أساسي يجب أن يكون ضمن محفظتك لأنه الأكثر محافظة على القيمة عبر الأجيال. وإن كنت مضاربًا أو مستثمرًا قصير الأجل تبحث عن تحركات سريعة، يمكنك أيضًا الاستفادة من تقلبات علاقة الذهب بالدولار (مثل المتاجرة على زوج XAU/USD في الفوركس). في الحالة الثانية، احرص على متابعة حركة الدولار اليومية والاستفادة من التحليلات الفنية لتحديد نقاط الدخول والخروج. أما إذا لم تكن ترغب في المضاربة، فاعتمد متوسط التكلفة عند شراء الذهب على دفعات دورية؛ بهذه الطريقة تشتري في بعض الأحيان بسعر منخفض وفي أحيان أخرى بسعر أعلى فيتعدل متوسط التكلفة لديك ويخف التأثر بتقلبات المدى القصير.
- راقب السوق المحلي والعالمي معًا: كما أوضحنا، سعر الذهب في مصر يتأثر بازدواجية العاملين (السعر العالمي وسعر الصرف). لذا تابع سعر الأونصة عالميًا من مصادر موثوقة، وتابع أيضًا سعر الدولار في مصر رسميًا وفي السوق الموازية. أحيانًا قد ترتفع الأونصة عالميًا لكن سعر الدولار يهبط محليًا فيتراجع الذهب في مصر، والعكس صحيح. كونك على دراية بالاتجاهين سيساعدك على فهم حركة السعر المحلي وتوقعها بشكل أدق.
- احذر من الشائعات وتأكد من المصادر: سوق الذهب حساس جدًا للتصريحات والإشاعات سواء عالميًا أو محليًا. قد تسمع شائعة عن قرب تعويم جديد للجنيه أو عن اكتشاف كميات ذهب كبيرة… إلخ. لا تبنِ قراراتك المالية على أخبار غير مؤكدة. راجع المصادر الرسمية والتقارير الموثوقة دائمًا قبل الإقدام على بيع أو شراء كبير.
- لا تهمل تكلفة المعاملات: عند شرائك للذهب المادي من السوق المصري، تذكر إضافة تكلفة “المصنعية” والدمغة والضريبة إن وُجدت، وعند البيع سيقيم التاجر الذهب بسعر السوق ناقصًا المصنعية. هذه التكاليف تؤثر على نقطة التعادل (breakeven) لاستثمارك في الذهب. لذا إن كان هدفك ادخار قصير الأجل جدًا (أقل من سنة مثلًا) ربما لا يكون الذهب المناسب بسبب هذه التكلفة ما لم يكن الاتجاه الصاعد للذهب واضحًا وقويًا. أما الدولار فبيعه وشراءه يتم بفارق سعر شراء/بيع قليل نسبيًا لدى البنوك أو شركات الصرافة. خذ هذه الفوارق بالحسبان عند اختيارك لأداة الادخار أو الاستثمار.
باختصار، المستثمر الذكي هو من يوازن بين حيازة الذهب والعملات الصعبة وفقًا للظروف. استفد من قوة الدولار حين تكون وتجنب التخلي عن الذهب تمامًا، وكن مستعدًا لزيادة حصة الذهب في أوقات ضعف الدولار أو ارتفاع المخاطر العالمية.
والعكس صحيح، لا تتردد في الاحتفاظ بسيولة بالدولار (أو حتى بالجنيه في البنوك بفائدة عالية) في الفترات التي يكون فيها الذهب مستقراً أو متراجعًا عالميًا والدولار في صعود. الموازنة المرنة بين الأصلين ستساعدك على حماية مدخراتك وتنميتها بأمان بإذن الله.
خاتمة
تلخّص العلاقة بين سعر الذهب والدولار حالة شد وجذب مستمرة في الاقتصاد العالمي. غالبًا ما يسير المعدن النفيس والعملة الأمريكية في اتجاهين متعاكسين، متأثرين بالتضخم وأسعار الفائدة وثقة المستثمرين وغيرها من العوامل.
فهم هذه العلاقة يساعد أي مستثمر أو مدخر على اتخاذ قرارات أكثر وعيًا: متى يشتري الذهب ومتى يحتفظ بالدولار.
ورأينا أن القاعدة التاريخية للعلاقة العكسية ليست ثابتة دائمًا، إذ تتغير وفق الظروف الاقتصادية والجيوسياسية، مما يتطلب متابعة دائمة للسياق العام عند تحليل الأسواق.
بالنسبة للمستثمر المصري، إضافة عامل سعر الصرف المحلي يجعل الصورة أكثر تعقيدًا لكن أيضًا أكثر وضوحًا لمن يدرك التفاعلات: قوة الجنيه أو ضعفه قد تعزز أو تعاكس الأثر العالمي لسعر الذهب والدولار.
هكذا ستكون قد استفدت من فهم علاقة الذهب بالدولار لوضع استراتيجيتك الماليةpersonal بما يحقق أهدافك بأقل قدر من المخاطر.
سواء استثمرت في الذهب أم في الدولار (أو في كليهما)، فإن إدراكك لهذه العلاقة وتبعاتها سيجعل قراراتك أكثر حكمة وصلابة في مواجهة تقلبات الاقتصاد.
نتمنى لكم استثمارًا ناجحًا وادخارًا آمنًا.